أحدث الدمار الإسرائيلي الكارثي على قطاع غزة آثاراً هائلة على النظم البيئية والتنوع البيولوجي في القطاع، الأمر الذي دفع باحثين ومنظمات بيئية إلى اعتبار هذا الضرر وتأثيره على المدى الطويل “إبادة بيئية”، ولا بد من التحقيق فيه باعتباره جريمة حرب محتملة.
صحيفة The Guardian البريطانية قالت في تقرير، الجمعة 29 مارس/آذار 2024، إن بساتين الزيتون والمزارع في غزة تحولت إلى أرض بور، وتلوثت التربة والمياه الجوفية بالذخائر والسموم، ويختنق البحر بمياه الصرف الصحي والنفايات، ويُلوَّث الهواء بالدخان والجسيمات الضارة.
“مياه الصرف تحيط بنا”
ونقلت الصحيفة عن المواطنة الفلسطينية سها أبو دياب، التي تعيش في أحد المستودعات المتهالكة في رفح، مع بناتها الثلاث الصغيرات وأكثر من 20 فرداً آخر من أفراد الأسرة قولها: “ليس لدينا مياه جارية ولا وقود، وتحيط بنا مياه الصرف الصحي الجارية والنفايات المتراكمة”.
ومثل بقية سكان غزة، فإنهم يخشون أن الهواء الذي يتنفسونه مليء بالملوثات وأن المياه تحمل الأمراض، وفقاً للصحيفة، لافتة إلى أنه خلف شوارع المدينة توجد بساتين مدمرة وبساتين زيتون وأراضٍ زراعية، سحقتها القنابل والجرافات.
والمنطقة المحيطة بالمستودع الذي تستأجره أبو دياب مع عائلتها، هي أرض قاحلة. وتسربت مياه الصرف الصحي من منزل تعرض للقصف في مكان قريب، وتراكمت النفايات، كما هو الحال في كل مكان بالقرب من مدينة رفح الجنوبية، التي تستضيف الآن قسماً كبيراً من سكان غزة.
تدمير 48% من الغطاء الشجري والأراضي الزراعية
لم يُوثَّق بعد المدى الكامل للأضرار في غزة، لكن تحليل صور الأقمار الصناعية المقدمة لصحيفة The Guardian البريطانية يُظهِر تدمير حوالي 38-48% من الغطاء الشجري والأراضي الزراعية.
كما تُظهر صور الأقمار الصناعية والصور ولقطات الفيديو من الأرض كيف دمَّرت الحرب الأراضي الزراعية والبساتين وبساتين الزيتون في غزة.
من جانبه، قام هي يين، الأستاذ المساعد في الجغرافيا بجامعة ولاية كينت بالولايات المتحدة، والذي درس الأضرار التي لحقت بالأراضي الزراعية في سوريا خلال الحرب الأهلية عام 2011، بتحليل صور الأقمار الصناعية التي أظهرت أن ما يصل إلى 48% من الغطاء الشجري في غزة قد فُقد أو تضرر بين 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 و21 مارس/آذار 2024.
وإضافة إلى الدمار المباشر الناجم عن الهجوم العسكري، أدى نقص الوقود إلى اضطرار الناس في غزة إلى قطع أي أشجار يجدونها؛ لحرقها لأغراض الطهي أو التدفئة.
بينما توصل تحليل مستقل عبر الأقمار الصناعية أجرته مجموعة الهندسة المعمارية الجنائية، وهي مجموعة بحثية مقرها لندن تقوم بالتحقيق في عنف الدولة، إلى نتائج مماثلة.
تدمير أكثر من 65 كيلومتراً مربعاً
قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول، كانت المزارع والبساتين تغطي نحو 170 كيلومتراً مربعاً، أو 47% من إجمالي مساحة أراضي غزة. وبحلول نهاية فبراير/شباط، تشير تقديرات مجموعة الهندسة المعمارية الجنائية لبيانات الأقمار الصناعية إلى أن النشاط العسكري الإسرائيلي دمَّر أكثر من 65 كيلومتراً مربعاً، أو 38% من تلك الأراضي.
وإضافة إلى الأراضي المزروعة، شكلت أكثر من 7.500 صوبة زراعية جزءاً حيوياً من البنية التحتية الزراعية في الإقليم.
وقد دُمِّرَ ما يقرب من ثلثها بالكامل، وفقاً لتحليل مجموعة الهندسة المعمارية الجنائية، ويتراوح ذلك بين ما يصل إلى 90% في شمال غزة ونحو 40% حول خان يونس.
“ضرورة عسكرية”
ووفقاً للصحيفة فقد مهدت بعض عمليات الهدم الطريق أمام البنية التحتية العسكرية الإسرائيلية.
إذ قال محققو مجموعة بيلينغكات مفتوحة المصدر، إنه يبدو أنه تم تطهير نحو 4300 فدان من الأراضي في المنطقة الواقعة جنوب مدينة غزة، حيث ظهر طريق جديد، تشير إليه إسرائيل باسم الطريق 749، ويمتد عبر العرض الكامل لمدينة غزة.
إلى ذلك، أشار جيش الاحتلال إلى أن الطريق كان “ضرورة عسكرية”، وقد مُهِّدَ “لإنشاء موطئ قدم عملياتي في المنطقة والسماح بمرور القوات والمعدات اللوجستية”.
فمنذ بداية الحرب، ألقت إسرائيل عشرات الآلاف من القنابل على غزة، وتشير تحليلات الأقمار الصناعية اعتباراً من شهر يناير/كانون الثاني، إلى أن ما بين 50% و62% من المباني كافة قد تضرَّرت أو دُمِّرَت.
واعتباراً من يناير/كانون الثاني 2024، قدَّر برنامج الأمم المتحدة للبيئة أن القصف خلَّف 22.9 مليون طن من الحطام والمواد الخطرة، مع احتواء كثير من الأنقاض على رفات بشرية.
وقد أدى استمرار الصراع وظروف الحصار إلى انهيار تام للبنية التحتية المدنية الهشة بالفعل في غزة، وضمن ذلك التخلصُ من النفايات ومعالجة مياه الصرف الصحي وإمدادات الوقود وإدارة المياه.
وقد عملت بلدية غزة على حصر الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية، مشيرة إلى أن 70 ألف طن من النفايات الصلبة قد تراكمت منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول. وقد انتشرت مدافن النفايات المرتجلة في جميع أنحاء المنطقة مع حجم القمامة غير المجمعة، وتعجز الأونروا، وكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين، التي تقوم بجمع النفايات في المخيمات، عن العمل.
ويقول برنامج الأمم المتحدة للبيئة إنه عندما قطعت إسرائيل الوقود عن غزة بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول، أدى انقطاع التيار الكهربائي الناتج إلى عدم إمكانية ضخ مياه الصرف الصحي إلى محطات المعالجة، مما أدى إلى تدفق 100 ألف متر مكعب من مياه الصرف الصحي يومياً إلى البحر.