كان المستشار الألماني أولاف شولتز من أوائل القادة الغربيين الذين أعلنوا عن دعم الاحتلال بعد عملية طوفان الأقصى؛ إذ قال إن ألمانيا ليس لها إلا “مكان واحد فقط، هو إلى جانب إسرائيل”، لكن هذا المكان بات على ما يبدو محرجاً لألمانيا، ثاني أكبر مورد أسلحة لإسرائيل والدولة التي تصف قيادتها دعم إسرائيل بأنه سبب وطني لوجودها، تكفيراً عن ذنب المحرقة، حسب ما نشرته صحيفة The New York Times الأمريكية.
فالأسبوع الماضي، ومع استمرار هجمات الاحتلال الإسرائيلي على غزة، وقف المستشار الألماني مرة أخرى إلى جانب نتنياهو في تل أبيب، لكنه تحدث بلهجة مختلفة هذه المرة. وتساءل: “مهما كانت أهمية الهدف، هل يمكن أن يكون مبرراً لهذا الثمن الباهظ؟”.
تغير ملموس في موقف ألمانيا من الاحتلال
ومع تزايد الغضب الدولي إزاء حصيلة الشهداء التي تجاوزت 32 ألف شخص، واحتمال المجاعة الذي يلوح في أفق القطاع، بدأ المسؤولون الألمان يتساءلون عما إن كان دعم بلادهم لإسرائيل قد تجاوز كل الحدود.
وهذه اللهجة المتشددة الجديدة تأتي جزئياً جراء المخاوف من تأكيد الاحتلال المستمر على ضرورة دخول رفح لملاحقة عناصر حماس الذين تقول إنهم في مدينة غزة الجنوبية.
وهذا التغيير في الموقف الألماني صار ملموساً في ظرف أسابيع.
ففي يناير/كانون الثاني -بعد أشهر قليلة من عملية طوفان الأقصى- تدخلت ألمانيا للدفاع عن إسرائيل ضد اتهامات جنوب أفريقيا لها بارتكاب إبادة جماعية في محكمة العدل الدولية.
والشهر الماضي، رفض شولتز الإجابة على أسئلة في مؤتمر ميونيخ الأمني عما إن كانت إسرائيل انتهكت القانون الإنساني الدولي.
لكن هذا الأسبوع، قالت وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بيربوك، إنها سترسل وفداً إلى إسرائيل لأن بلادها، التي وقعت على اتفاقيات جنيف، “ملزمة بتذكير جميع الأطراف بواجبهم في الالتزام بالقانون الإنساني الدولي”.
الوضع في غزة “جحيم”
وخلال زيارتها للمنطقة، وهي السادسة لها منذ الهجوم، وصفت بيربوك أيضاً الوضع في غزة بأنه “جحيم”، وأكدت على ضرورة الامتناع عن اجتياح رفح، التي لجأ أكثر من مليون شخص إليها.
وقالت: “لا يمكن أن يتلاشى الناس في الهواء”.
فيما قال يورغن هاردت، المتحدث باسم السياسة الخارجية للحزب الديمقراطي المسيحي من يمين الوسط في البرلمان، إن أهم قرار أمكن لألمانيا اتخاذه إعادة التمويل لوكالة الأونروا، بعد أن علّقته في أعقاب مزاعم بأن بعض موظفي الوكالة شاركوا في عملية طوفان الأقصى
إذ قالت ألمانيا، الأسبوع الماضي، إنها ستموّل الوكالة مرة أخرى في المناطق التي تعمل فيها خارج غزة.
وقبل أسابيع، حاول دبلوماسيون ألمان إقالة رئيس الأونروا، فيليب لازاريني، واشترطوا ذلك بإعادة التمويل، وفقاً لمسؤولين ألمان وأوروبيين مطلعين.
لكن نفس هؤلاء المسؤولين قالوا إنهم لاحظوا ليناً ملحوظاً في موقف ألمانيا من حينها، وإن الألمان على ما يبدو تخلّوا عن طلب إقالة لازاريني. وقال مسؤولون ألمان وأوروبيون إنه من المرجح أن تعيد ألمانيا تمويل عمليات غزة بحلول مايو/أيار.
وقال تورستن بينر، مدير معهد السياسة العامة العالمية في برلين: “قد يكون هذا إجراءً بسيطاً. لكنني أظن أن الضرر طال مصداقية ألمانيا بالفعل. والمهمة الآن تخفيف هذا الضرر”.