غـــــــــــزة

ايـــــــــــام

ثقافة

بناه المرابطون قبل 10 قرون.. تعرف بالصور على مسجد سيدي رمضان وسط قصبة الجزائر الشهيرة

يظن بوعلام، القاطن في حي باب الوادي الشعبي بالعاصمة الجزائرية، أن الجوامع التاريخية المتناثرة على أحياء مدينة الجزائر بنيت إبان الفترة العثمانية (1516-1830)، لتكون شاهداً على آخر ما زخرفت أنامل المعماري المسلم في الجزائر المستقلة.

وفي زيارة لأعالي حي القصبة وبالتحديد إلى باب جديد، علم أن جامع سيدي رمضان الذي دُشن خلال الفترة المرابطية، ما زال شامخاً يصدح منه الأذان، مطلاً على شقيقه جامع الكبير المرابطي الأثري القريب من ميناء الجزائر وجامع كتشاوة العثماني المعدل.

ويشير بوعلام في حديث مع “عربي بوست”، إلى أن الجوامع التليدة أضحت تراثاً غير مهتم به من قبل الجهات الوصية، ما يستوجب النهوض بقطاع السياحة عن طريق الاهتمام بها والعمل على ترميمها؛ لكونها التاريخ الثابت للجزائر على مر العصور.

وواجه جامع سيدي رمضان مختلف الحقب التي مرت على الجزائر، فكان حاضنة للدين والتراث والعلم من جهة، كما كان واجهة لمقاومة الاحتلال الفرنسي من جهة ثانية، فحمى السكان وحموه من براثن وخطط هدمه.

“عربي بوست” وفي جولة مصورة بين أزقة القصبة العليا زار جامع سيدي رمضان، وغاص في تاريخه العتيق، ونقل أهم معالمه في هذا التقرير الذي بين أيديكم.

جامع سيدي رمضان بين البساطة والأصالة

يحتل جامع سيدي رمضان في الجزائر مكانه الضيق في الزاوية المكونة من شارعي علي زاري وسيدي رمضان بأعالي القصبة.

ويتصف هذا الجامع بالبساطة، فهو كما يصفه الباحث محمد حاج سعيد في أطروحته المعنونة “مساجد القصبة في العهد العثماني”، مغطى بـ9 سطوح مضاعفة من القرميد موضوعة عرضياً وبشكل شبه مستطيل، يضم داخله 18 عموداً عبر 3 أروقة بمسافة 9 أمتار بينها، أما المئذنة فهي رباعية الأضلاع.

وكان جامع سيدي رمضان في الجزائر يحتضن المسائل الهامة للنظر فيها يوم الخميس، وهو يوم اجتماع العلماء وهم: القاضيان والمفتيان للحنفية والمالكية.

ومن أجل الغوص في تاريخ الجامع تواصل “عربي بوست” مع الأكاديمي المتقاعد المتخصص بالعمارة الإسلامية في معهد الآثار، محمد الطيب عقاب، الذي يشير إلى أنه يعود إلى العهد المرابطي (دولة إسلامية ظهرت خلال القرنين الخامس والسادس الهجري في منطقة المغرب الإسلامي)، وهذا نهاية القرن الـ11 ميلادياً، بحسب المواصفات المتطابقة بينه وبين الجامع الكبير بالقصبة السفلى، وبذلك يكون إما معاصراً له أو بُني قبله.

ويلفت عقاب إلى أن من المعالم المرابطية التي تطبعه وجود قاعة خاصة للمنبر، وهي الصُّفة المرابطية بعدما اتخذوا للمنبر غرفة خاصة به يمكن إخراج المنبر منها يوم الجمعة، وهي الغرفة الموجودة على جانب المحراب.

إضافة إلى الاسكوبان الموازيان لجدار القبلة، وهي نفسها الموجودة بالجامع الكبير، فضلاً عن العقود المنكسرة وإن استمر استعمالها لاحقاً خلال العهد العثماني، كما امتزج به بعض الطابع الزيري المعاصر للفترة المرابطية ويتجسد في الأعمدة المعروفة بالطراز الجزائري البحت، حسب المتحدث.

مرشدنا في التقرير، يذكر أن جامع سيدي رمضان شاهد على تمازج الفترات التي عرفتها القصبة، إذ التحق به العهد الزياني فطبعه بمئذنة تعود للقرن الـ14، ذلك أن المرابطين لم يتخذوا مآذن.

جامع سيدي رمضان في الجزائر

 

أما خلال الجزائر الحديثة فتم تغيير الميضأة والجزء المخصص لصلاة النساء، في حين وإبان فترة الاحتلال الفرنسي (1830-1862)، حافظ المسجد على حالته عدا بعض الترميمات البسيطة، إلا أن الإدارة الفرنسية استولت على الوقف التابع له الذي كان يتم دفع مداخيله كرواتب لموظفي الجامع.

أما بخصوص جامع سيدي رمضان، فعلى الأرجح أنه رجل صالح، ويبرز الأستاذ عقاب أن سيدي رمضان ربما كان من المحاربين في العهد العثماني، وذلك انطلاقاً من الروايات الشعبية التي تفيد بأنه كان ولياً صالحاً ومجاهداً في عرض البحر (وهم ريّاس البحر خلال الفترة العثمانية).

ويلخص أستاذ عقاب واقع هذا المَعلم بقوله إنه “يعتبر تاريخياً نموذجاً آخر لسكان مدينة الجزائر الضاربة في عمق التاريخ رغم أن كثيرين يعتقدون أنها بنيت خلال العهد العثماني فقط، في حين أن أبسط الحفريات تجمع بين مختلف العصور”. وبذلك يكون هذا الجامع الخالد مؤكداً أنها كانت مدينة عامرة على مدار التاريخ.

مكانة خاصة لدى الجزائريين 

وللخوض في الحديث عن مكانة جامع سيدي رمضان التاريخية والتراثية لدى سكان مدينة الجزائر، تواصل “عربي بوست” مع الأستاذة الجامعية والباحثة في التراث، فايزة رياش، التي تؤكد أن للجامع مكانة خاصة لدى الجزائريين عامة وليس ساكنة الجزائر العاصمة فقط.

وتوضح رياش في تصريحها، أن الجامع العتيق معلم ديني وطني؛ لكونه ضمن القطاع المحفوظ القصبة ومن بين أول المعالم التي بنيت في الجزائر خلال القرن الـ10 ميلادياً والـ11 ميلادياً.

وتضيف المتحدثة في السياق: “يجب أن يعلم القارئ أنه مع مجيء بلكين بن زيري بن مناد، كان هناك جامع السيدة الذي هدمته قوات الاستعمار الفرنسي ومساجد أخرى هدمت مثل مسجد سيدي ربي وغيره، لهذا فجامع سيدي رمضان يعد من القلائل الذين ما زالوا شامخين”.

وتلفت الباحثة في التراث الانتباه إلى أن جامع سيدي رمضان كان إبان الفترة الاستعمارية يقوم بوظيفته كجامع رغم مصادرة أملاكه والأوقاف التابعة له إلا أنه بقي يؤدي دوره إلى جانب 13 جامعاً آخر.

بساطة تيمناً بمساجد النبي

فايزة رياش وهي تفصل في رمزية جامع سيدي رمضان الأثري، تذكر أن عديداً من الشخصيات المهمة مرت على الجامع  كالعلامة الإمام والخطيب عبد القادر مجاوي وعبد الرحمان الجيلالي، مما جعل له مكانة خاصة لدى سكان الجزائر.

وتتابع في السياق: “إضافة إلى أن هذا الجامع شهد تحولات حتى إنه أعيد ترميمه خلال القرن السابع عشر، ومنه نجد نقشاً داخل الجامع  مكتوباً عليه أنه دشن سنة 1622، ما يعني أن جامع سيدي رمضان له أهمية كبيرة وله قيمة كبيرة جدا؟ عند الأهالي والسكان”.

وتشير رياش إلى أن جامع سيدي رمضان ضمن المعالم الدينية الأولى التي بنيت على أنقاض مدينة إكوزيوم الرومانية، حيث كان بناؤه في مكان مهم جداً، إضافة إلى أنه بسيط من ناحية العمران تيمناً بمساجد النبي عليه الصلاة والسلام، ومطرز بطراز جزائري ومكانته كبيرة لدى الجزائريين عبر كل المراحل التاريخية.

وقبل الانتهاء من المقابلة، تشدد فايزة رياش على ضرورة الاعتناء بالتراث الجزائري بفرعيه المادي واللامادي، لا سيما في هذه الفترة التي سلطت فيه السلطات العمومية الضوء على كل ما يرمز إلى تاريخ الجزائر العريق.

وتبرز المتحدثة أن اهتمام الجهات الوصية بجامع سيدي رمضان لم يكن وليد اليوم، وما يثبت ذلك اعتبار ساكنة الحي إلى غاية اليوم الجامعَ الأثري ملكية خاصة بهم، وهو دافع جعلهم يرون أن الاهتمام به أمر مفروض عليهم والأمر نفسه كان قبل مئات السنين.

وما يظهر العناية بمثل هذه الجوامع التاريخية، التعاطي الإيجابي للجمعيات والسلطات المحلية مع مبادرات ترميم البنايات الأثرية، وكان ذلك مع جامع سيدي رمضان حيث تم تجيير الجامع بالتعاون مع القائمين على الجامع وبلدية القصبة.

وفي لمحة عن الجوامع المتناثرة في القصبة، تلفت المهتمة بالتراث إلى أن الحي التاريخي فيه 9 جوامع ومساجد مهمة جداً، ما يوجب على الجميع الاعتناء بها، لأنها واجهة الجزائر التاريخية التي يرغب الكثير من السياح في الغوص فيها.

وتضيف في السياق: “إضافة إلى أنها معالم روحية دينية، والجزائري دائماً كان سباقاً إلى الاعتناء بكل ما هو ديني، خاصة مع اقتراب الشهر الفضيل، فنلاحظ حملة تنظيف المساجد وتبييضها، وهذه عادة راسخة منذ القدم لدى الجزائريين”.


اشتري وجبة شاورما لـ شخص 1 من طاقمنا، (ادفع 5 دولار بواسطة Paypal) | لشراء وجبة اضغط هُنا


شبكة الغد الإعلامية - مؤسسة إعلامية مُستقلة تسعى لـ تقديم مُحتوى إعلامي راقي يُعبّر عن طموحات وإهتمامات الجمهور العربي حول العالم ونقل الأخبار العاجلة لحظة بلحظة.

منشورات ذات صلة