غـــــــــــزة

يـــــــــــوم

الموسوعة

عصام العطار.. أحد أبرز قادة الحركة الإسلامية في سوريا

سياسي وداعية ومفكر إسلامي، والمراقب العام السابق لجماعة الإخوان المسلمين في سوريا، وأديب وشاعر أيضا، ولد في دمشق عام 1927، وتوفي في ألمانيا عام 2024. بدأ حياته معلما، ثم التحق بسلك الدعوة فسياسيا، وأفنى عمره فيه وتفرغ للعمل الحركي والسياسي الإسلامي.

المولد والنشأة

ولد العطار في العاصمة السورية دمشق عام 1927، وسط أسرة عريقة لها باع طويل في العلم الشرعي -وكان أجدادها من أئمة الشافعية- عملت في علوم الحديث وعرفت بثقلها الاجتماعي.

وهناك في دمشق نشأ العطار وتلقى علومه الأساسية وسط بيئة أسرية اهتمت بالعلم وتعليمه وتعلمه.

كانت أسرته تعمل في بيع العطر لذا سميت “العطار”، ووالده محمد رضا العطار كان من رجال القضاء الشرعي والعدلي في سوريا، وكان أيضا رئيسا لمحكمة الجنايات، وعرف عنه حبه وتأييده للسلطان العثماني عبد الحميد، ومشاركته في محاربة الاتحاديين مما كان سببا في الحكم عليه بالإعدام، فقرر الهرب، وعاش لسنين بين القبائل العربية في جبل الدروز.

وخلال الحرب العالمية الأولى، نفي والد العطار إلى إستانبول (إسطنبول)، فلما عاد إلى بلاده عاد مع خبرة ميدانية تضاف إلى حبه الفروسية، وكبر عصام كأبيه وأحب الشعر مثله أيضا.

شقيقته تكون نجاح العطار وتولت منصب نائبة ثانية للرئيس السوري بشار الأسد عام 2006، وقبلها وزيرة الشؤون الثقافية والإعلامية، وتكون أول عربية تصل إلى هذا المنصب.

علي الطنطاوي
علي الطنطاوي توطدت علاقته بالشاب عصام العطار حتى زوجه ابنته بنان

تكوينه العلمي وتأثره بالطنطاوي

أثرت البيئة التي كبر عصام فيها عليه فأخرجته بلسان عربي رصين فصيح، وكان قد تعود الخطابة وهو في المدرسة الابتدائية، فكلما جاءهم وفد للمدرسة اختارته إدارتها وأساتذته لتمثيل الطلاب والتحدث باسم الإدارة أمام الضيوف.

وكان ممن يقرأ لهم وتأثر بهم مصطفى صادق الرافعي وأحمد الزيات وإبراهيم المازني وطه حسين وأحمد أمين وعباس العقاد وعلي الطنطاوي وكانوا يكتبون في مجلة الرسالة التي أصدرها أحمد حسن الزيات عام 1933، ولم يكن يبلغ حينها الـ12 من عمره.

ولأن أجداده كانوا من أئمة الشافعية في بلاد الشام، حفظ متن الزبد، إضافة إلى متون أخرى منها ألفية ابن مالك في النحو والصرف، ودرس علوم الحديث على يد الألباني، وكان من طلاب المعهد العربي الإسلامي بدمشق، ولم يمنعه ذلك من تكوين نفسه بمطالعاته الخاصة.

درس العطار سنوات تعليمه الأولى في مدرسة التجهيز قرب المنشية، ثم التحق بالمعهد العربي وهناك تعلم الدين الإسلامي والتاريخ والأدب والفلسفة، وتلقى تعليما من بعض المدارس الخاصة في دمشق أيضا.

حضر العطار مرة درسا في المعهد العربي الإسلامي عام 1954، وكان الطنطاوي قد دعي للمعهد ليلقي درسا على طلبة الصفوف العليا والأساتذة في المعهد، وكان العطار من الحضور.

ولما حان وقت الأسئلة بعد انتهاء الدرس، تحدث العطار وعقّب على كلام الطنطاوي وخالفه في بعض آرائه، فأوقفه الطنطاوي عن الكلام ووقف من مقعده، ثم طلب من العطار الجلوس مكانه فاستحى ورفض، فأقسم الطنطاوي أن يجلس، ورد قائلا: “أنت أحق بأن يتلقى عنك.. والله لا أدري كيف يأتون بمثلي، وعندهم هذا العالم الأديب”.

كان اللقاء الأول هذا سببا لتوطد علاقة العطار مع الطنطاوي الذي كان قد عمل مع والده محمد رضا في القضاء سابقا، واستمرت علاقتهما طويلا، حتى زوّج الطنطاوي ابنته “بنان” للعطار.

عصام العطار.. أحد أبرز قادة الحركة الإسلامية في سوريا
جمال عبد الناصر اشترط حل الأحزاب عند توحيد سوريا ومصر (الصحافة العربية)

تجربته في العمل الإسلامي

بدأ العطار طريقة في الدعوة والعمل الإسلامي مع جمعية “شباب سيدنا محمد” وكانت أول صلة له مع جماعة الإخوان المسلمين، فقد كانت من الجمعيات التي أسست للجماعة لاحقا إلى جانب “دار الأرقم” في حلب، و”الأنصار” في دير الزور، و”الإخوان المسلمين” في حماة، التي أسست جميعها جماعة الإخوان المسلمين عام 1945 على يد مصطفى السباعي.

وكان للعطار مكانته في الجماعة، وأصلح مرة فيما بينهم لما اختلفت الجماعة مع السباعي حول قضية ما، وبنى علاقة مع رابطة علماء سوريا، فضموه إليهم وشارك في أنشطتهم وحاور عنهم في بعض اللقاءات المهمة.

عرف عن العطار انفتاحه على جميع التيارات والجماعات التي قد تتفق أو تختلف مع الإخوان المسلمين، وكان يهدف من ذلك إلى لم الشمل السوري وتوحيد صفه من أجل البلاد.

وعرف عنه أيضا أنه كان لا يخاف من أصحاب السلطة، فيعبر عن فكره كما يريد، وأثر ذلك عليه من جهتين، الأولى أنه ذاع صيته وأثر على كثير من الناس وصارت له مكانته في المجتمع، والأخرى أنه دفع ثمن كلمته، فقد هاجم مرة حكم أديب الشيشكلي بشدة عام 1951 فصدر أمر باعتقاله فاضطر للجوء إلى مصر.

خروجه إلى مصر كان بنصيحة مقربين إليه، منهم علي الطنطاوي، وهناك أحسن إخوان مصر في استقباله، وقابل حسن الهضيبي وعبد القادر عودة وتعاون معهم في اللجنة التوجيهية للجماعة. واستطاع العطار مقابلة سيد قطب والبشير الإبراهيمي ومحمود شاكر وعبد الوهاب عزام.

واضطر للعودة إلى دمشق لما علم بمرض أبيه عام 1952، واستطاع رؤيته قبل وفاته بعدة أيام. وعام 1954 انتخب العطار في المكتب التنفيذي لجماعة الإخوان المسلمين، وقاد المظاهرات التي احتجت على إعدام الدعاة عامها.

وفي العام التالي اختير أمينا عاما لهيئة المؤتمر الإسلامي الذي ضم كبار شيوخ سوريا، وكان حينها أيضا في الهيئة التشريعية والمكتب التنفيذي لجماعة الإخوان المسلمين، وكذلك عضوا في مكتب دمشق للجماعة، قبل أن يختار ممثلا ومتحدثا باسم الجماعة، ليتولى مسؤولية المراقب العام والمكتب التنفيذي في وقت واحد.

سيد قطب
سيد قطب التقى عصامَ العطار عندما لجأ الأخير إلى مصر بعدما صدر أمر باعتقاله

التأثير في السياسة السورية

قدر العطار عام 1957 أن عدم مشاركة الإخوان المسلمين في الانتخابات البرلمانية أفضل، لأنه رأى أن الظروف والوقائع التي سادت في البلاد حينها ستحول بينهم وبين نجاح الجماعة وتوقع تزوير نتائج الانتخابات وتدخل قوى اليسار، وهو ما حصل فقد قررت الجماعة خوض الانتخابات ورشحت مصطفى السباعي لكنهم خسروها.

كان العطار من مؤيدي الوحدة بين سوريا ومصر لكنه خالف جمال عبد الناصر في أساليب الوحدة التي نادى إليها، فقد رأى في حكمه دكتاتورية وانتقاصا من حقوق الإنسان، خاصة أن عبد الناصر اشترط حل الأحزاب، فقرر حينها السباعي حل جماعة الإخوان المسلمين.

رفض العطار الانفصال وحل الجماعة، ودعا إلى الوحدة على أساس ديمقراطي برلماني وعلى الصعيد العسكري والخارجي، فقد كان يرى أن “طريق الوحدة يتناقض مع الدكتاتورية” ورفض التوقيع على وثيقة الانفصال، وكذا رفض الإخوان معه، وأعلنوا الانفصال عن الوحدة مع مصر، وندد العطار بحملات القمع التي مارسها عبد الناصر ضد مخالفيه.

وكان العطار يجيب عندما يسأل عن سبب رفضه التوقيع على وثيقة الانفصال: “كيف تريدونني أن أبارك حركة هدمت حلما يسكن أبناء الأمة منذ قرون، إنّ خلافنا مع نظام الوحدة شيء، وتمسكنا بالوحدة شيء آخر”.

انفصلت جماعة الإخوان وعاد الإسلاميون للعمل الحزبي، وعُين العطار قائدا لها، وأجمعت الجماعة على ترشيحه عام 1961 للانتخابات البرلمانية، ففاز بالنيابة عن دمشق في الانتخابات النيابية بالأغلبية، متغلبا على كبار السياسيين في البلاد، وهو ما أثار حفيظة غير الإسلاميين ومخالفي الجماعة الذين بدؤوا بالتحذير من “نهضة إسلامية شعبية”.

ولما صار العطار أمينا عاما للكتلة التعاونية الإسلامية في البرلمان السوري، قدم كتابا إلى رئيس الجمهورية حينها ناظم القدسي، ورئيس الوزراء معروف الدواليبي فيه مطالب من بينها ما يتعلق بـ”المؤامرة الصهيونية والاستعمارية” لتحويل مجرى نهر الأردن، وطرح على الحكومة فكرة تعبئة الأمة لتحرير نهر الأردن بدلا من التحويل.

(Original Caption) 2/3/1958-Cairo, Egypt- Egyptian President Gamal Abdel Nasser, left, and Syrian President Shukri Al-Kuwatly clasp hands to symbolize merger of the two countries into the United Arab Republic on Kuwatly's arrival in Cairo with members of his cabinet. In their proclamation, the two leaders left "the door open for participation by any other Arab state desirous of joining in the union" or federation. An Egyptian spokesman said today that the kingdom of Yemen, an absolute monarchy, is expected to "adhere" immediately to the new Egypt-Syrian Republic.
الرئيس السوري الأسبق شكري القوتلي (يمين) والرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر (غيتي)

انقلاب الثامن من مارس وذهاب بلا عودة

وفي الثامن من مارس/آذار 1963 دبر البعثيون السوريون انقلابا عسكريا وتم تعيين مجلس وطني لقيادة الثورة بقيادة اللواء لؤي الأتاسي كما بدأت قوة البعث ونفوذه داخل مؤسسات الدولة ولا سيما الجيش. اعتقل حينها رئيس الدولة ورئيس وزرائه، ودعي العطار مع 12 شخصا للمشاركة في استلام الحكم.

رفض العطار المشاركة في الحكومة وقال: “لا يمكنني القبول بالمشاركة في حياة تقول إنها ديمقراطية ولكنها جاءت بانقلاب عسكري، وهذه الانتخابات لن تعيش طويلا حتى يتم الانقلاب عليها من جديد”.

طالب العطار بحكومة ائتلافية يشارك فيها الجميع، ورأى في الانقلاب جانبا طائفيا فأعلن ذلك في خطبه، وبقي على عمله الإسلامي ودعوته، وحمته شعبيته من الاعتقال حينها. فما كان من سلطة الانقلاب إلا الرضوخ والإفراج عن الرئيس ناظم القدسي وإعادته إلى رئاسة الجمهورية.

وبعدها بعام قرر الذهاب لأداء الحج، وكانت رحلته تلك ذهاب بلا عودة، فقد منع من دخول البلاد، متعللين بتأثيره في الحياة السياسية، فسافر إلى لبنان، ومن هناك إلى بروكسل حيث أصيب بالشلل عام 1968، حتى انتقل إلى ألمانيا لاجئا سياسيا.

في المنفى

توفي السباعي عام 1964، ومُنع العطار من دخول سوريا والمشاركة في تشييع رفيقه، فقرر حينها مغادرة لبنان إلى ألمانيا، وبعدها تم اختيار العطار مراقبا لجماعة الإخوان المسلمين في سوريا من المنفى، وبقي في منصبه حتى عام 1973.

وقد حاول عدة مرات الاعتذار والتخلي عن المنصب، لكنه عدل عدة مرات عن قراره وقال: “عمليا في نهاية السبعينيات، ابتعدت عن العمل في الجماعة، لكن عندما صدر القرار 49 القاضي بإعدام المنتمين للإخوان خرجت وعرفت بنفسي أني المراقب العام للجماعة”.

A handout picture released by the official Syrian Arab News Agency (SANA) shows Najah al-Attar (L) standing in front of Syrian President Bashar al-Assad during her swearing-in ceremony for her reappointment to the position of vice-president, on July 20, 2014, in the capital Damascus. Assad has reappointed Najah al-Attar as his vice president but made no mention of his other deputy and veteran diplomat Faruq al-Sharaa. AFP PHOTO/HO/SANA === RESTRICTED TO EDITORIAL USE - MANDATORY CREDIT "AFP PHOTO / HO / SANA" - NO MARKETING NO ADVERTISING CAMPAIGNS - DISTRIBUTED AS A SERVICE TO CLIENTS === (Photo by SANA / AFP)
نجاح العطار عندما عينت نائبة للرئيس بشار الأسد عام 2014 عرضت على أخيها عصام العطار العودة إلى سوريا (الفرنسية)

وحينها كانت الجماعة قد حظرت داخل سوريا بموجب المادة رقم 49 الصادرة عام 1980، وأعلن حكم الإعدام على كل من ينتمي لها.

ثم أعلن العطار ترك جماعة الإخوان المسلمين لما بدأت الخلافات بين قياداتها، وتفرغ للعمل الدعوي في ألمانيا، وأسس هناك مراكز دعوية من بينها “المنتدى الإسلامي الأوروبي للتربية والثقافة والتواصل الإنساني والحضاري”، وكان خطيبا في المركز الإسلامي في مدينة “آخن”.

وكان العطار على تواصل مع رئيس الوزراء التركي الأسبق نجم الدين أربكان وتكلم معه حول رعاية الإسلام في أوروبا والمشاريع الإسلامية هناك.

وفي عام 1981 قيدت الحكومة الألمانية حركته، وجمّدت أنشطته السياسية باعتباره لاجئا سياسيا، مع ذلك كان له أثر في بداية الثورة السورية عام 2011، فقد خاطب الناشطين السوريين ونصحهم وأيدهم، وأعلن رفضه الانخراط في أي تشكيلات سياسية ثورية. وشارك في مؤتمر المعارضة السورية في إسطنبول.

وكان موقفه من باقي ثورات الربيع العربي مشابها؛ فقد أيد الثورة التونسية، وأصدر بيانا أيد فيه الثورة المصرية، ودعا شعبه في سوريا لثورة سلمية بعيدة عن الطائفية وعدم الاستقواء بالدعم الأجنبي.

وبقيت علاقته مع جماعة الإخوان المسلمين علاقة مودة، فهم من “لحمه ودمه” كما يقول، ويضيف إن قادتهم من تلاميذه، لكنه آثر العمل الإسلامي بعيدا عن الأحزاب، وقال: “لا أنظر إلى مصلحة الإسلاميين بمعزل عن مصالح غيرهم”.

وقد دعاه الرئيس السوري حافظ الأسد أن يعود إلى سوريا، لكنه رفض وطالب بالحرية لوطنه وشعبه، وعندما عينت أخته نجاح العطار نائبة للرئيس بشار الأسد، عرضت نجاح عليه العودة لكنه رفض.

بنان الطنطاوي
بنان الطنطاوي ابنة علي الطنطاوي وزوجة عصام العطار التي اغتيلت في ألمانيا

محاولة اغتياله

تعرّض العطار لعدة محاولات اغتيال، أولها كانت عام 1963 وكان حينها في منزل الطنطاوي، لكن المحاولة باءت بالفشل إذ لم يكن في منزله. وفي ألمانيا كان دائم التنقل لأن الحكومة الألمانية أخبرته بمطاردة مسلحين له يحاولون قتله.

وبقي العطار هكذا لسنة ونصف يتنقل في ألمانيا حتى اغتيلت زوجته بنان (ابنة الطنطاوي) في 17 مارس/آذار 1981، وقد ترك ذلك في نفسه أثرا كبيرا.

المؤلفات

ألف العطار عدة كتب من بينها:

  • بلادنا الإسلامية وصراع النفوذ.
  • أزمة روحية.
  • رأي الإسلام في التحالف مع الغرب.
  • الإيمان وأثره في تربية الفرد والمجتمع.
  • كلمات.
  • ثورة الحق.
  • من بقايا الأيام.
  • رحيل، وهو كتاب شعري.

الوفاة

توفي عصام العطار في المدينة الألمانية آخن في الثاني من مايو/أيار 2024، عن عمر ناهز 97 عاما.


اشتري وجبة شاورما لـ شخص 1 من طاقمنا، (ادفع 5 دولار بواسطة Paypal) | لشراء وجبة اضغط هُنا


شبكة الغد الإعلامية - مؤسسة إعلامية مُستقلة تسعى لـ تقديم مُحتوى إعلامي راقي يُعبّر عن طموحات وإهتمامات الجمهور العربي حول العالم ونقل الأخبار العاجلة لحظة بلحظة.

منشورات ذات صلة