اشتهرت بلستيا العقاد على نطاق واسع بعد فيديو كان بسيطاً إلا أنه مؤلم، في وقت مبكر من هجوم الاحتلال الإسرائيلي على غزة، حينما كانت تصوّر من شقة أحد الجيران في مدينة غزة، ووثّقت كيف أزالوا زجاج النوافذ واحتموا بالداخل.
بينما كانت تُصوّر، ضربت سلسلة من الغارات منطقة قريبة من المبنى؛ مما عبَّأ الهواء في الخارج بالغبار، ولم تجفل العقاد (22 عاماً)، لكن وجهها تحوَّل من الصدمة إلى ما يشبه قناعاً مفتوح الفم، وفق صحيفة The Guardian البريطانية.
وقالت: “كنت أحاول شرح الأمور، لكن أعتقد أنه يمكنكم سماعها الآن”، وقد حصل الفيديو على أكثر من 200 ألف إعجاب.
الحرب حولتهم لمراسلين حربيين
في حديث لها عبر تطبيق “زوم” من منفاها في أستراليا، قالت العقاد: “أتفهم سبب انتشار الفيديو على نطاق واسع، ولماذا يسألني الناس كيف استطعت البقاء هادئة في موقف كهذا، وما إذا كنت معتادة على هذه الأشياء أم أصبت بصدمة نفسية؛ لأنني أنا نفسي أتساءل أيضاً”.
وحوَّلت الحرب على غزة رحلة العقاد على إنستغرام من استخدامه لتعريف الناس بالحياة اليومية في القطاع إلى مراسلة حرب بسرعة.
قبل الحرب، عملت العقاد في وكالة تسويق وكانت تتدرب إعلامياً باستخدام إنستغرام لتصوير الحياة اليومية في المنطقة أو نشر صور لصفوف من المظلات الملونة على الشاطئ أو مشاركة صور السيلفي مع أصدقائها، وتقول إنَّ الهدف كان تعريف متابعيها بأنَّ هناك ما هو أكثر من الصراع والدمار في غزة.
بعد عملية “طوفان الأقصى”، بدأت العقاد تتلقى مكالمات للعمل مراسلة لقنوات تلفزيونية بريطانية وفرنسية، وتحول حسابها على إنستغرام إلى حساب شخصي للحرب.
وسرعان ما امتلأت صفحتها بصور الأحياء المدمرة والغرباء وهم يتقاسمون طعامهم وسط النقص في الغذاء، وتتذكر العقاد وقوفها في خيمة مليئة بالجثث، أو المشي بين الأنقاض محاولة تذكر المباني التي كانت قائمة هناك ذات يوم.
ولم يُسمَح حتى الآن لأي صحفي دولي بدخول غزة ما لم ينضم إلى الجيش الإسرائيلي، ومع غمرة المراسلين الفلسطينيين في وسائل الإعلام الكبيرة بالأخبار العاجلة، غالباً ما تتدخل الشبكات الاجتماعية لملء هذه الفجوة.
لذا شرعت مجموعة صغيرة من المراسلين الشباب بنقل الحرب من على الأرض في غزة إلى العالم الخارجي، وتقاسموا لحظات الخسارة والصراع الأكثر حميمية مع جمهور بالملايين.
“لا نغطي الحدث فقط بل نعيشه”
بدورها، عملت بيسان عودة، مخرجة أفلام تبلغ من العمر 25 عاماً، على تغطية الهجمات على مستشفى الشفاء في مدينة غزة، ولديها 3.1 مليون متابع على إنستغرام على قناتها الناطقة باللغة الإنجليزية، في حين أنَّ المصور معتز عزايزة البالغ من العمر 24 عاماً، والمعروف بلقطاته المهولة التي يلتقطها بطائرة مُسيَّرة لإظهار مشاهد الدمار في غزة، يتابعه 15.8 مليون.
وارتفع عدد متابعي العقاد من 4000 قبل الحرب إلى 4.2 مليون، وأثناء ذلك، فتحت كل رسالة وبريد إلكتروني تلقته من المشاهدين حتى تتمكن من الرد على أسئلتهم.
وأعطى ذلك لمتابعيها نظرة مقربة عن الحياة اليومية داخل الجيب الذي نزح فيه أكثر من 1.8 مليون شخص ودُمّرَت أحياء بأكملها، حتى تجاوز عدد الشهداء في غزة 18,200 شخص، ولم تسلم أية عائلة تقريباً من الخسارة.
ووفقاً للجنة حماية الصحفيين، قُتِل 63 صحفياً وعاملاً في مجال الإعلام في غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، فيما فقد مدير مكتب الجزيرة وائل الدحدوح زوجته وابنه وابنته وحفيده في غارة جوية إسرائيلية على منزله، كما فقد مؤمن الشرفي، مراسل آخر للشبكة، 22 من أفراد أسرته في هجوم واحد.
وقد واصل العديد من المراسلين الفلسطينيين العمل على الرغم من النزوح ومقتل أفراد أسرهم والخطر الدائم المتمثل في الإصابة والموت، فيما قالت بلستيا العقاد: “أنا لست مجرد صحفية، أو شخص يغطي الأحداث، بل أعيشها”.
وبعد 45 يوماً من تغطية أحداث الدمار، غادرت بلستيا العقاد غزة وسط مخاوف متزايدة على عائلتها بسبب عملها الصحفي، لكنها كانت تعاني من الشعور بالذنب بسبب قدرتها على مغادرة القطاع.
وقد نشر معتز عزايزة وبيسان عودة مؤخراً رسائل إلى متابعيهما، قائلين إنهما يخشيان أنهما لن يظلا على قيد الحياة خلال الأسابيع المقبلة مع زحف القوات الإسرائيلية نحو جنوب غزة.
وتقول العقاد: “قبل يومين، كنت أنا الخبر، كنت هناك لتغطية الأخبار. لكن الآن كل ما أفعله هو إنعاش كل الصفحات باستمرار في محاولة لمعرفة أي شيء، وما إذا كان أصدقائي على قيد الحياة أم قُتِلوا”.