أعلن قصر باكنغهام، مساء الخميس 8 سبتمبر/أيلول 2022، وفاة الملكة #إليزابيث الثاني عن عمر ناهز 96 عاماً، وذلك بعد ساعات من إعلان القصر الملكي البريطاني عن تدهور الحالة الصحية للملكة إليزابيث.
تفاصيل مثيرة حول إعلان وفاة الملكة إليزابيث الثانية
خطة واحدة تحمل اسم “جسر لندن” من بين خطط كثيرة ستكون كفيلة برسم الأحداث التي ستعقب وفاة الملكة إليزابيث الثانية، ملكة #بريطانيا.
وعندما يدخل السكرتير الخاص للملكة، ويقول لأفراد عائلتها “سقط جسر لندن”، سيكون ذلك -وفق اللغة السرية للعائلة الملكية- بمثابة إعلانٍ عن وفاتها، لتبدأ بعدها على الفور الاستعدادات لمراسم الوداع الضخمة.
ومع إعلان قصر باكنغهام يوم الخميس، 8 سبتمبر/أيلول 2022، خضوع الملكة إليزابيث للإشراف الطبي في قصر بالمورال، بعد مخاوف الأطباء بشأن صحتها، في حين قالت رئيسة الوزراء ليز تراس إن “بريطانيا بكاملها قلقة للغاية”.
وسط كلّ تلك المعلومات، ومع توجّه الأمير تشارلز (ولي عهد بريطانيا) وابنه الأمير وليام إلى مقرّ إقامة الملكة إليزابيث في قلعة بالمورال -اسكتلندا، بدأت الصحف البريطانية بالتحدث عن إعلان وفاةٍ قد يكون قريباً.
قد يبغض البريطانيون مجرّد التفكير في الأمر، ويتجنبون الحديث عنه، لكن ما لا يعرفه كثيرون أن أدق التفاصيل الخاصة بمثل هذا الحدث الأليم وتداعياته، تمّ تحديدها داخل هذه الخطة السرية.
ما بعد وفاة الملكة إليزابيث؟
عندما يفكر البريطانيون في وفاة أحد أفراد العائلة المالكة، تتبادر إلى أذهانهم حتماً وفاة الأميرة ديانا عام 1997. وربما لن يكون رحيل الملكة إليزابيث الثانية حدثاً مليئاً بالمشاعر كوفاة الأميرة، إلا أنه سيكون حدثاً جسيماً، ذا آثارٍ واسعة وتداعياتٍ أكثر درامية، أو كما وصفه أحد الأفراد السابقين ضمن حاشية الملكة في حديثه لصحيفة The Guardian البريطانية: “سيكون حدثاً جذرياً”.
في جميع الخطط والتصورات الخاصة بوفاة الملكة إليزابيث، والتي توجد منها عدة نسخ لدى الحكومة وقصر باكنغهام الملكي وهيئة الإذاعة البريطانية، يتوقع الجميع أنَّ موت الملكة سيأتي بعد فترة مرضٍ قصيرة. وسيكون حاضراً معها في ساعاتها الأخيرة عائلتها وأطباؤها، وبالأخص هيو توماس، كبير أطبائها والمتخصّص في أمراض الجهاز الهضمي.
سيقوم هيو بفحصها بالطبع، ويحدّد الأشخاص المسموح لهم بدخول الغرفة، والمعلومات التي يُمكن إعلانها للعامة.
ونظراً للحياة الاستثنائية التي تعيشها العائلة الملكية، فإن لغة خاصة بالعائلة هي استثنائية أيضاً، لا يفهمها سوى أفراد العائلة المحدودين. لا تُستخدم هذه اللغة إلا في التطورات الحسّاسة، التي تحرص العائلة الملكية على أن تبقى معرفتها محصورة بينها في البداية، قبل أن يعلم بها من هم في بقية القصر، ثم بقية العالم.
وخطة “جسر لندن” تتضمن كل التفاصيل الخاصة بالوفاة وتداعياتها؛ من كيفية إعلان الخبر، إلى مراسم الوداع، وصولاً إلى موعد تنصيب الملك الجديد -الأمير تشارلز- وضمان استمرار الاستقرار.
البروتوكول بعد إعلان وفاة الملكة إليزابيث
عندما تموت الملكة إليزابيث، سيجتمع مجلسا البرلمان، وسيغادر العامة أعمالهم مبكراً، كما سيذيع ربابنة الطائرات خبر وفاتها على الركاب. وجزءٌ من جسامة حدث وفاة الملكة إليزابيث هو نتيجةً لمكانتها في ذاكرة ووعي الشعب البريطاني.
ومع أن جنازات أفراد العائلة الملكية أمرٌ مألوف بالنسبة للبريطانيين، إلا أن وفاة الملكة إليزابيث وتنصيب ملكٍ جديد على رأس الدولة طقسان، ربما لم تشهدهما من قبل سوى قلة من البشر الأحياء حالياً.
فمن بين آخر 4 رؤساء وزراء للحكومة في بريطانيا، وُلِدَ 3 منهم بعد توليها منصب الملكة عام 1952! ولا نبالغ لو قلنا إنها “الملكة الوحيدة التي عرفها معظم البريطانيين وسكان العالم أيضاً.
الملكة كذلك، هي آخر ما يربط بريطانيا بمكانتها العظيمة السابقة، وهويتها وتقديرها لذاتها، وهي أمور ما زالت ترتبط بالانتصار الذي حققته بريطانيا في الحرب العالمية الثانية. وهو ما قاله أحد المؤرخين الذي كان ضمن من أجرت معهم صحيفة الغارديان مقابلاتٍ بشأن الأمر: “كانوا يقولون لنا إن جنازة تشرشل هي أيضاً جنازة بريطانيا كقوةٍ عظمى. لكن نهاية الأمر بالفعل ستكون بوفاة الملكة”.
خطة “جسر لندن”
مسؤولون مختلفون في هيئات الإذاعة، والحكومة، والشرطة، عملوا على إعداد خطة “جسر لندن” بشكلٍ مباشر، وقد صمَّم جميعهم تقريباً على فرض سريةٍ تامة حول هوياتهم.
هذا الحظر المفروض حول الحديث عن الأمر ليس أمراً حكيماً بالكامل، ويخفي وراءه واقعاً سياسياً مهماً؛ وهو أنَّ وفاة الملكة، الزلزال الأكبر القادم في بريطانيا، قد تم التخطيط لكل ما يحيط به في واقع الأمر.
وُضِعَت أولى نسخ خطة “جسر لندن” في ستينيات القرن الماضي، ونُقِّحت تفاصيلها بالكامل في بداية القرن الحالي. ومنذ ذلك الحين، تُجرى اجتماعاتٌ دورية مرتين أو 3 كل عام بين جميع الأطراف المشاركة في الخطة: الحكومة، والجيش، والشرطة، وهيئات الإذاعة والتلفزيون، وغيرها.
في تلك الاجتماعات “المنهجية المتحضرة” -حسب وصف المشاركين فيها- يجري تحديث الخطة، والتخلّص من النسخ القديمة، ومشاركة المعلومات بدقّة بين جميع الأطراف.
التداعيات السياسية لوفاة الملكة إليزابيث
أهم ما يتعلق بحدث وفاة الملكة، ويعطيه هذا القدر من التأثير، هو الوضع السياسي الحالي في بريطانيا. فالملكة تقترب من نهاية عهدها في وقتٍ مضطرب للغاية بالنسبة للسياسة البريطانية ومكانة بريطانيا في العالم. كما أن وفاتها ستتبعها مجموعة من العوامل المُزَعزِعَة للاستقرار.
يُعَدُ مستقبل رابطة الكومنولث أبرز القضايا المطروحة لأسبابٍ عديدة. فعند تنصيب الملكة إليزابيث، لم يكن هناك سوى 8 أعضاء بالرابطة، والآن هناك 38 جمهورية بها، يشكل عدد سكانها ثلث سكان العالم، بالإضافة إلى 15 دولة تترأسها الملكة عدا بريطانيا، وتابعت أمورها الملكة بدأب طوال السنين الماضية؛ لكونها رئيسة الرابطة.
المشكلة هنا أن هذا المنصب لا يُورَّث، وليست هناك آلية لاختيار الرئيس القادم للرابطة، فهي “مسألة غامضة تماماً” كما وصفها فيليب مورفي، مدير معهد دراسات الكومنولث بجامعة لندن.
ولسنواتٍ عدة، حاول القصر الملكي -بتكتمٍ شديد- العمل على ضمان تولِّي الملك التالي وولي العهد الأمير تشارلز للمنصب رئيساً للرابطة، وذلك لغياب أي خياراتٍ أخرى واضحة لحل الأمر.
وكشفت جوليا غيلارد، رئيسة الوزراء الأسترالية السابقة، عن زيارةٍ من مسؤولٍ بريطاني في فبراير/شباط 2013، طلب فيها منها دعم الفكرة. وانضمت منذ ذلك الحين كندا ونيوزيلندا إلى الدول المؤيدة للأمر. إلا أن المنصب على الأرجح لن ينتقل للأمير تشارلز عند تنصيبه ملكاً، ولكن ذلك سيحدث كجزءٍ من عملية ضغطٍ دولية تمارسها لندن في أثناء امتلائها بالدبلوماسيين والرؤساء في الأيام التالية لوفاة الملكة.
المراسم وإذاعة الخبر
تتضمن خطة “جسر لندن” كل التفاصيل الخاصة بالأيام التسعة التالية للوفاة، والمذكورة في الوثائق الخاصة بالخطة بالرموز “D+1″، و”D+2″، وهكذا حتى اليوم التاسع. كلُ شيءٍ تم تخطيطه بدقة، أو كما قال أحد منتجي التلفزيون المُوكَّلين بتغطية المراسم: “لديّ أمامي كتاب تعليمات ضخم. كل شيء مُخطَّط له، والكل يعلم دوره”.
الأعلام ستُخفَض جزئياً، وشاراتٌ بألوانٍ بعينها ستُعلَّق. وحسب موعد الوفاة وإعلانها، سيتحدد استمرار مباريات الألعاب الرياضية والمسارح من عدمه. والتعليمات جاهزة لتعرف الهيئات الحكومية ما إن كان يجب عليها إغلاق أبوابها أم لا، فقد مضى زمنٌ طويل منذ وفاة الملك الأخير، ويجب أن تبدو الدولة كلها وكأنَّها تعرف ما يجب عليها فعله.
وأبرز تلك التفاصيل، وأهمها لجسامة الحدث، هي الكيفية والطريقة التي سيُذاع بها خبر وفاة الملكة إليزابيث. أول من سيتعامل مع الخبر هو إدوارد يونغ، سكرتير الملكة الخاص. وبعد إيقاظ رئيس الوزراء، إن لم يكن مستيقظاً بالفعل، سينقل الموظفون العموميون الخبر من خلال الخطوط الآمنة، قائلين: “سقط جسر لندن”.
ومن مكتب وزارة الخارجية البريطانية، سينتقل الخبر إلى دول الكومنولث كلها. وسينتقل الخبر إلى العامة أسرع من ذي قبل، من القصر الملكي إلى الصحافة البريطانية والعالمية. وستبدأ شبكات الراديو وقنوات التلفاز في اتباع سيناريوهاتها المُعدَّة مسبقاً للأمر، من حيث الكلمات، والملابس، والموسيقى المصاحبة، والتوقيت، وغيرها من التفاصيل الدقيقة، وذلك ليكون كل شيء على مستوى الحدث.
تنصيب الأمير تشارلز ملكاً
أبرز المراسم فور وفاة الملكة، وأكثرها حساسيةً، سيكون في اليوم التالي لوفاتها، مع رفع الأعلام مجدداً في الساعة الحادية عشرة صباحاً: وهو إعلان الأمير تشارلز، أمير ويلز وولي العهد، ملكاً لبريطانيا خلفاً للملكة إليزابيث الثانية.
سيقرأ ريتشارد تيلبروك، أحد كبار الموظفين العموميين، الصيغة الرسمية للبيان، وسيؤدي الملك تشارلز أولى مهامه: القَسَم على حماية الكنيسة في أسكتلندا، والحديث عن العبء الثقيل الذي وقع على كاهله. وسيبدأ متابعة باقي المراسم باعتباره الملك الجديد، والموافقة على كل التفاصيل الخاصة بالخطة قبل تنفيذها.
وبعد إعلانه ملكاً في كنيسة القديس جيمس، سيذهب في جولةٍ بجميع أنحاء الدولة، ويزور إدنبره، وبيلفاست، وكارديف، ويحضر مراسم عزاء والدته، ويقابل رؤساء الحكومات التابعة لبريطانيا.
وسيتجول في شوارع بريطانيا، ويختلط بالرعية، فكما وصف أحد المستشارين: “من اليوم الأول، يجب أن يتمحور الأمر حول الناس، وليس فقط الزعماء؛ لكونهم جزءاً من الملكية الجديدة”.