الثلاثاء - 28 أكتوبر / تشرين الأول 2025

غـــــــــــزة

يــــــــــوم

أسرة

“شي إن لا تمثلنا”.. فرنسيون ينتفضون دفاعا عن هوية الموضة المحلية

تابع آخر الأخبار على واتساب

تشهد فرنسا منذ أيام حالة من الجدل المحتدم والاحتجاجات الواسعة ضد دار الأزياء الصينية العملاقة "شي إن" (SHEIN)، مع اقتراب افتتاح أول متجر دائم لها في قلب العاصمة باريس، وهي خطوة وُصفت بأنها "غزو صامت" للسوق الفرنسية وتهديد مباشر لصناعة الموضة المحلية.

فعلى جدران المتجر الجديد في مبنى "بي إتش في" العريق، ظهرت شعارات غاضبة مثل: "شي إن تقتل" و"استغلال.. عبودية.. تلوث"، في مشهد يلخّص حجم الغضب الشعبي الذي تثيره العلامة التجارية المثيرة للجدل.

متجر مثير للانقسام في قلب باريس

رغم الانتقادات اللاذعة التي واجهتها خلال افتتاح متاجر مؤقتة في مدن فرنسية مثل تولوز ومرسيليا ومونبلييه، قررت "شي إن" المضي قُدما في خطتها لتدشين أول فروعها الدائمة في فرنسا، مع توسّع مرتقب إلى مدن ديجون، وغرونوبل، وريمس، وليموج خلال العام المقبل.

وتعتمد "شي إن" نموذج "الأزياء فائقة السرعة"، الذي يوفّر ملابس بأسعار منخفضة بشكل غير مسبوق (فستان بـ12 يوروا وسروال جينز بـ20) لكنه في المقابل يثير تساؤلات بيئية وأخلاقية تتعلق بالاستدامة، وظروف العمل، والاستهلاك المفرط، بحسب المنتقدين.

من جانبها، تؤكد الشركة الصينية أن هذه الخطوة تهدف إلى "تعزيز الحضور خارج الفضاء الرقمي" عبر تجربة تسوق مباشرة، إلا أن الخطوة فجّرت عاصفة انتقادات من مصممين فرنسيين وتجار تجزئة وعُمَد مدن وصفوها بأنها "طعنة في قلب الموضة الفرنسية".

بيان رسمي من عمدة باريس

تحت شعار "شي إن لا تمثلنا"، اجتاحت دعوات المقاطعة مواقع التواصل الاجتماعي، في حين أعلنت عمدة باريس آن هيدالغو رفضها القاطع للمتجر الجديد، مؤكدة أن وجوده "يتناقض مع رؤية باريس كعاصمة للتجارة المستدامة ودعم المنتج المحلي".

كتبت هيدالغو على "لينكد إن": "نشعر بقلق بالغ إزاء قرار "بي إتش في" استضافة أول متجر دائم لشركة "شي إن" في باريس. المدينة يجب أن تبقى نموذجا للابتكار الأخلاقي والاستدامة، لا مركزا للأزياء الرخيصة سريعة الزوال".

وانضم إلى موقفها الاتحاد الفرنسي للملابس الجاهزة الذي اتهم الشركة بـ"إغراق السوق بمنتجات تُستعمل مرة واحدة"، محذرا من آثارها على آلاف العاملين في القطاع المحلي.

وفي حين تجاوزت عريضة حظر "شي إن" في فرنسا 270 ألف توقيع، تؤكد الشركة المملوكة لمستثمرين صينيين وسنغافوريين أنها ستواصل توسيع حضورها العالمي، بعد تحقيقها أرباحا تجاوزت مليار دولار في 2024.

نموذج أعمال يثير الإعجاب.. والقلق

وتتميز "شي إن" بنجاحها في ضخ تصاميم جديدة بوتيرة غير مسبوقة؛ إذ تضيف نحو 7200 منتج جديد يوميا على موقعها، مستفيدة من نموذجها الإلكتروني الذي يتيح شحن الطلبيات مباشرة من المصانع الصينية إلى الزبائن حول العالم، بدون المرور بسلاسل التوزيع التقليدية.

ويُعزى جزء كبير من أرباحها إلى الإعفاءات الجمركية على الطرود منخفضة القيمة، ما يجعل أسعارها تنافسية بشكل شبه مستحيل بالنسبة للعلامات المحلية. لكن الانتقال إلى افتتاح متاجر فعلية يفرض تحديا جديدا، يتمثل في الحاجة لتخزين المنتجات داخل المتجر، ما يعني ارتفاع التكاليف التشغيلية وربما تقليص هامش الربح الذي تعتمد عليه الشركة.

فرنسا تتحرّك تشريعيا

في الوقت نفسه، أقرّ مجلس الشيوخ الفرنسي مشروع قانون يستهدف الحد من ظاهرة "الأزياء فائقة السرعة" عبر فرض ضرائب بيئية إضافية وحظر الإعلانات الترويجية، وتقييد التعاون مع المؤثرين، وإجبار الشركات على الإفصاح عن ممارساتها الإنتاجية.

ويهدف القانون إلى توجيه العائدات الضريبية لدعم المنتجين الفرنسيين المستدامين. ورغم الإشادة الواسعة بالمبادرة، يرى البعض أنها تميّز بين الأزياء السريعة "الكلاسيكية" مثل "زارا" و"إتش آند إم"، و"الأزياء فائقة السرعة" الصينية، في خطوة يعتبرها آخرون محاولة لتقويض المنافسة الأجنبية.

باريس.. من مهد الموضة إلى ساحة معركة

تاريخيا، كانت باريس رائدة في تطوير نمط "الموضة السريعة" منذ سبعينيات القرن الماضي عبر منطقة سانتييه التجارية الشهيرة، التي اعتمدت على الإنتاج المحلي السريع بكميات محدودة. لكن مع انتقال التصنيع إلى الخارج في التسعينيات، تراجعت العديد من العلامات الفرنسية المتوسطة أمام المنافسة العالمية.

واليوم، تجد فرنسا نفسها أمام مفارقة جديدة؛ فمن جهة، تدافع عن إرثها كعاصمة للأناقة والحرفية، ومن جهة أخرى تواجه تحدي العولمة الرقمية التي تجسّدها شركات مثل "شي إن".

وبينما تتهيأ باريس لاستقبال متجر "الأزياء فائقة السرعة" في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، يبدو أن النقاش حول القيمة الحقيقية للموضة، بين السعر الرخيص والاستدامة، لم يعد مجرّد نقاش اقتصادي، بل معركة ثقافية على روح الموضة نفسها.