جنوب لبنان– بعد عام على توقف أصوات المدافع، ما يزال الجنوب اللبناني، وبلدة بيت ليف تحديدا، يعيش تحت ظلال حرب لم تنته فعليا، فالاتفاق على وقف إطلاق النار لم يحمل معه أمانا ولا استقرارا، بل خلف واقعا قاسيا يتجذر يوما بعد يوم على طول الشريط الحدودي.
الجنوب اليوم أشبه بورشة دمار مفتوحة، فعشرات البلدات تحولت إلى أطلال، وآلاف الوحدات السكنية سويت بالأرض أو باتت غير صالحة للحياة، وأكثر من 100 ألف نازح لم يتمكنوا من العودة إلى منازلهم بعد، ليس فقط بسبب الخراب، بل لأن الحياة الأساسية لم تعد موجودة فلا كهرباء ولا مياه ولا مدارس ولا حتى شبكات صرف صحي.
وعلى الرغم من دخول اتفاق وقف الأعمال العدائية حيز التنفيذ في 27 نوفمبر/تشرين الثاني العام الماضي، لم تهدأ السماء ولم يستقر البر، بل توالت الاعتداءات الإسرائيلية برا وجوا، مسجلة أكثر من ألف خرق موثق لدى قوات اليونيفيل، بين اغتيالات، وغارات مفاجئة، واستهداف سيارات مدنية، وقصف لمراكز صحية وآليات الإعمار، وحتى دوريات الأمم المتحدة لم تسلم من القنابل والرصاص.
وفي الوقت الذي يؤكد فيه حزب الله اللبناني التزامه بالاتفاق وتراجعه جنوب نهر الليطاني، يواصل الجيش الإسرائيلي التوغلات البرية، في بليدا، ومارون الراس، ويارون وغيرها، حيث نفذت وحداته عمليات نسف وتخريب، وقتلت عمالا وموظفين داخل مقار رسمية، كما بدأت إسرائيل بناء جدار حدودي صادر آلاف الأمتار من الأراضي اللبنانية، في حين لا تزال تحتل 5 تلال داخل الحدود، وفق اليونيفيل.

خرق مستمر للاتفاق
أما بلدة بيت ليف، الواقعة قبالة جبل بلاط وزرعيت والراهب، فما زالت في قلب الاستهداف، إذ نشرت إسرائيل قبل أيام خريطة تضم 31 موقعا تزعم أنها منشآت عسكرية داخل البلدة، بينها منازل مأهولة، وفي المقابل، رفض سكان البلدة النزوح مجددا، وأعدت البلدية تقريرا تفصيليا بكل موقع من هذه المواقع وسلمته للجيش اللبناني واليونيفيل.
ومنذ عدة أيام، تتمركز قوة مشتركة من الجيش واليونيفيل داخل ساحة البلدة، وتنفذ دوريات لطمأنة الأهالي. فالبلدة التي عادت إليها 462 عائلة من أصل 600 قبل الحرب، تحاول استعادة نفسها، وتعيش حياة شبه طبيعية على الرغم من كل الضغوط والاغتيالات المتكررة.
هنا، تبدو الحرب كأنها لم تنته، فبيت ليف، كبقية بلدات الجنوب، لا تزال تبحث عن سلام لم يأت بعد، وعن حياة تنتظر أن تبدأ من جديد.

الحياة اليومية
نزيه السيد، مزارع من بيت ليف، عاد إلى أرضه بعد سنة من النزوح، يصف واقع البلدة قائلا “نحن بلدة يعيش معظم أهلها من الزراعة، رجعنا تحت حماية الجيش وكل ما نريده هو السلام”، ويضيف “مؤخرا وصل تهديد إلى نصف البلدة تقريبا، فبدأ التوتر وبدأ بعض الناس بالرحيل”.
ويتابع أن “الأرض منذ سنتين لم تفلح بسبب الحرب، وتحتاج اليوم إلى إصلاح واهتمام، لكن لا أحد يجرؤ على الذهاب إليها أو الاعتناء بزرعه، لأننا نعيش في حالة من الكبت والضياع، لا نعرف ما الذي ينتظرنا”، مطالبا الدولة بأن تتحمل مسؤوليتها، وأن يتفقد الجيش الوضع في المنطقة.
أما هيام ديب، ابنة بلدة بيت ليف والمقيمة في بيروت، فلم تستطع مقاومة نداء البلدة بعد سلسلة الإنذارات الإسرائيلية الأخيرة، فذهبت تتجول بين البيوت المتصدعة بحذر، وتستعيد ذكريات الماضي وتتنقل بين أزقة البلدة، وتقول وهي تستعرض ما بقي من حيها “جئت لأرى أقاربي، ولكي أؤكد أننا لن نترك أهلنا وحدهم”.
وتضيف في حديثها “سنظل إلى جانبهم، خصوصا في هذه الظروف الصعبة، ومع دخول الجيش ووقوفه المشرف، بيت ليف اليوم ليست كما كانت، المنازل تهدمت، والوجوه غابت إلى الأبد، نأسف على من فقدناهم من شباب وشهداء”.
وعلى الرغم من الخوف الذي زرعته الإنذارات المتلاحقة، تقول هيام إنها وجدت ما هو أقوى من الخوف “رأيت الناس متكاتفين، والبيوت مفتوحة لبعضها، ودخول الجيش رفع المعنويات وأعاد شيئا من الطمأنينة”، وتشير إلى أن البلدة ما زالت تنبض بأهلها.
وتختتم وهي تنظر نحو البيوت العتيقة “لا أعرف ماذا يمكن للمرء أن يقول، لكنني أشعر أن هذه البلدة هي الدنيا بأكملها”.
من جانبها، تؤكد السيدة أم علي، وهي تشير إلى بقايا أدوات زراعية مبعثرة قرب منزلها “كلما رأوا مزارعا يحمل عدة عمله، أو مواطنا يحاول تأمين قوت يومه، يصفون المكان مستودعا أو منشأة”، وتضيف “هذه ادعاءات باطلة، لا هدف لها سوى دفعنا إلى الرحيل”.
وتتابع بصوت يمزج بين الخوف والإيمان “نحن باقون في أرضنا، لن نغادرها، نستند إلى الجيش اللبناني وإلى الأمم المتحدة للقيام بواجبهم في حمايتنا، الخوف موجود، نعم، لكننا صامدون، ونطمئن لأن فوقنا ربا يرى كل شيء”.

نداء محلي
ومن جهته، يقول رئيس بلدية بيت ليف، عزات حمود، إنه بعد الانزلاق الأمني الأخير في لبنان “عشنا أياما من القلق والتوتر، لكن الوضع بدأ يميل إلى الاطمئنان بفضل الانتشار المستمر للجيش اللبناني وقوات الطوارئ الدولية داخل البلدة”.
ويضيف “هذا أعاد الثقة إلى الناس وشجعهم على العودة إلى بيوتهم”. ويتابع موضحا تفاصيل اليوم الأول “سادت حالة من الخوف، والناس كانت بحاجة لمن يوجهها، طالبنا الدولة وتوجهنا بنداء إلى الجيش اللبناني، وخلال نصف ساعة كان الجيش منتشرا في كل أحياء البلدة، ومعه عدد من الصحفيين الذين أرادوا معاينة المواقع المزعومة المستهدفة”.
ويشير إلى أن معظم هذه المواقع كانت مدمرة منذ زمن، باستثناء بعض المنازل المأهولة، ما أثار استغراب الصحفيين ووسائل الإعلام، فالواقع كان يختلف تماما عن المزاعم. ويصف حمود حجم الدمار قائلا “لدينا 210 وحدة سكنية دمرت بالكامل، أما باقي المنازل فتضررت جزئيا”.
ويضيف “أصحاب البيوت المدمرة ما زالوا نازحين، بينما عاد من تمكن من ترميم منزله ولو بشكل جزئي ليعيش فيه مجددا، والبلدية وضعت خطة لمساعدة الأهالي”، ويقول “إذا سألت الناس اليوم سيقولون: هذه بلدنا، سنعيش ونموت فيه. لقد جربوا النزوح، ووجدوا أن البقاء والصمود أقل كلفة ومعاناة”.
تحليل وتفاصيل إضافية
الوضع في الجنوب اللبناني، وتحديداً في بلدة بيت ليف، يعكس صورة قاتمة لحياة ما بعد الحرب. على الرغم من وقف إطلاق النار، إلا أن التهديدات الإسرائيلية المستمرة والخروقات المتكررة للاتفاق تعيق عودة الحياة الطبيعية. الخوف وعدم الاستقرار يجبران السكان على العيش في حالة ترقب دائم، بينما يعانون من نقص الخدمات الأساسية وتضرر البنية التحتية. قصة بيت ليف هي قصة صمود وتحدي، حيث يحاول الأهالي التشبث بأرضهم رغم كل الصعاب، معتمدين على الجيش اللبناني وقوات اليونيفيل لتوفير الحماية. هذا الواقع المرير يطرح تساؤلات حول فعالية اتفاق وقف إطلاق النار، وضرورة إيجاد حلول جذرية تضمن الأمن والاستقرار الدائمين للمنطقة.
أسئلة شائعة حول الجنوب اللبناني
ما هو الوضع الحالي في الجنوب اللبناني؟
ما هي أبرز المشاكل التي تواجه بلدة بيت ليف؟
ما هو دور الجيش اللبناني واليونيفيل في المنطقة؟
ما هي مطالب سكان بلدة بيت ليف؟
ما هي أسباب عدم عودة جميع النازحين إلى منازلهم؟
ما هو تأثير التهديدات الإسرائيلية على حياة السكان؟
📌 اقرأ أيضًا
- محمد الأسطل.. صحفي دفعته الحرب والمجاعة بغزة للعمل في مجال الإغاثة
- الداخلية السورية تعلن اعتقال سجان بصيدنايا تورط في تنفيذ إعدامات
- صحة غزة: القطاع سيواجه موتا جماعيا ما لم يتم إدخال الوقود
- هل انتهى البرنامج النووي الإيراني بعد الضربة الأميركية؟
- حماس تنعى البرلماني محمد الغول الذي اغتالته إسرائيل بغزة
