غـــــــــــزة

يـــــــــــوم

لايف ستايل

وسائل التواصل الإجتماعي: حين يصبح العالم الإفتراضي اكثر أهمية من الواقع

رغم أن شغفي الكبير بالقراءة والكتابة منذ الصغر والذي جعلني مميزا في مادة التعبير -الإنشاء-، للحد الذي جعل كل البنات من التلميذات في الصف الذي أدرس به في المرحلة الابتدائية، يفحصون دفتري بدل المرة عشرة، وهن يتخذن جانبا منفصلا في تحد سافر منهن للأولاد المكونين للسواد الأعظم لطلاب الصف، في رسالة واضحة منهن أنهن الأشطر والأكثر تفوقا وتحصيلا للعلم، وذلك عندما أعطتني معلمة (مادة التعبير) الدرجة الكاملة عن القصة القصيرة التي كتبتها عن رحلة إلى حديقة الحيوان، والتي كانت المعلمة قد طلبت منا جميعا ذاك الموضوع الإنشائي، قبل أن يعدن لي دفتري وهن صاغرات محبطات بعد أن تأكدن من جودة النص الذي كتبته، مما ينفي احتمالية وجود قصة غرامية خفية بيني وبين المعلمة دفعتها إلى اعطائي الدرجة الكاملة. هو من دفعني للولوج إلى ذلك العالم الافتراضي والتوحد معه بشكل كبير.

إلا أن الحقيقة أنني لو كنت أكتفيت بما حصلت عليه من تلقين اكاديمي في المدرسة والجامعة لكان زماني من الجاهلين،

فأنا أبن وسائل التواصل الإجتماعي  (Social Media) والتي من خلالها تلقيت تعليمي المدني بأسلوب ذاتي وتفاعلي حتى أصبحت أقل جهلا.

فالواقع أن الجميع قد تطور مع تطور ذلك العالم الافتراضي، فقد تحول ذلك العالم إلى سوق مفتوح لإنتاج محتوى أكثر إبداعا وجذبا ذو طابع شخصي اجتماعي.

فتصارع الجميع على المنافسة بمنشورات النصوص، والصور، والفيديوهات، والبث المباشر على وسائل التواصل الإجتماعي المختلفة مثل (facebook) و (Twitter) و (Instagram) و (Youtube) و (Snapchat) و(+google) فتزاحم وتسابق الجميع على حصد علامات الإعجاب والتعليقات والمشاركة من الآخرين لضمان نشر الفكرة أو السلعة وإثبات التفوق.

فأصبحنا ننتفض عندما يصدر الهاتف أو الحاسوب صوت أستلام رسالة جديدة من تطبيقات الدردشة (Facebook Messenger) أو (WhatsApp) وباقي (Inbox) تطبيقات وسائل التواصل الإجتماعي المختلفة، لعلها تحمل خبر جديد هام او رد منتظر من أحدهم. أو وميض يظهر على الشاشة يفيد بوصول أشعار جديد لعله تعليق جديد قد حدث، أو مشاركة -إعادة تغريد- كريمة من احدهم، أو إعجاب جديد قد حصدناه.

حتى أصبح لقب (أدمن – Admin) منصب اجتماعي مهيب في قلوب رواد هذا العالم الأفتراضي لما يمتلكونه من سطوة وقوة على التغيير والتأثير في الآلاف وربما الملايين المنضمين إلى تلك المنصات التي يديرونها.

فالصراع على حصد المتابعين وعلامات اعجابهم وتعليقاتهم ومشاركتهم للمحتوى، جعل أغلب (ادمنز – Admins) تلك المجموعات يمنعون أعضاء منصاتهم من مشاركة المحتويات المختلفة إلى المجموعة التي يديرها حتى لا يكون ذلك ترويج مجاني لأصحاب المنشور المشارك به، فيحصد بسهولة على متابعين لصفحته ومنشوراته، فتم استبدال الوسيلة الشرعية الوحيدة مشاركة المحتوى من خلال زر (ٍمشاركة) أو (share)  بنسخ ذلك المحتوى وإعادة نشره داخل المجموعة دون الإشارة لصاحب المنشور الأصلي، في انتهاك صريح وحقيقي لكل حقوق النشر والملكية الفكرية.

ويبدو أنه كلما توفرت المساحات الحرة للابداع والانتاج الحر المستقل، كلما انتشرت ايضا المنصات الغير منضبطة والتي بها الكثير من الغث.

سواء بهدف تشويه الرأي العام من خلال الكثير من (اللجان الإلكترونية) -والتي أصبحت مهنة البعض للأسف- والذين يحتشدون من أجل ترويج فكرة ما للرأي العام وكأنها نابعة من أفراد المجتمع، وليست مفروضة عليه من بعض أصحاب المصالح.

أو مجرد فقاعة تساعد على الترويج والوصول السهل للآخرين بأهداف تجارية وتنافسية. أو معلومات علمية ومهنية خاطئة من أناس غير مؤهلين ظنوا أنفسهم علماء متخصصين لمجرد امتلاكهم الفرصة للولوج إلى هذا العالم الافتراضي.

وايضا سرقة المحتويات التي يمتلك اصحابها وحدهم حقوقها الملكية، أصبحت أمر أعتيادي لا ضابط له سواء بسوء نية كمحاولة أحدهم قرصنة محتوى ما ونسبه لنفسه، أو بسلامة نية تنطوي على جهل منه بظنه أن مشاركة محتويات الآخرين تكون من خلال نسخها وإعادة نشرها على منصته دون ذكر مصدرها متجاهلا الوسيلة الوحيدة الشرعية لإعادة النشر وهي المتوفرة حصرا من خلال زر مشاركة -Share- وفي منصات أخرى إعادة تغريد -Retweet-. فمثلهم مثل الذي يعيد نسخ الكتب المطبوعة ويبيعها على الأرصفة متجاهلا حق المؤلف والناشر الأصحاب الشرعيين للمنتج.

فكثرت الصفحات الشخصية والعامة الزاخرة بمقالات ومقولات ليس لها مصدر ولا نسب، ومن غير المقنع أن أصحاب تلك الصفحات هم اولئك الكتاب العظام أصحاب الحروف الضخمة والكلمات المؤثرة.

وأيضا كثرت تلك الرسائل المنسوخة التي تكتظ بها صناديق الرسائل الخاصة على تلك المنصات الافتراضية الاجتماعية بالكثير من المقالات المقولات التي غلب فيها الغث الثمين والتي لا يكف أصحابها بمطالبتنا بنشرها بدورنا إلى العديد من الأصدقاء حتى لا تصيبنا لعنة ما حسب اعتقادهم أو في أفضل الأحوال لمجرد الحصول على الثواب في نشر الخير حسب اعتقادهم أيضا.

الحقيقة أن سلوك الفرد بإعادة نشر أي محتوى قد تعرض له من قبل، يجب أن يكون قرار داخلي مدفوع بإعجابه بذلك المحتوى أو تقديرا لأهميته وليس تلبية لمطالبة أحدهم أو خوفا من تهديد ووعيد. ولكن ثمة أهداف ونوايا خفية تدفع بعض أصحاب تلك المنشورات لذلك.

فأصبح الأمر ليس مجرد مساحة حرة للتواصل الاجتماعي مع الآخرين والتعبير الحر، ولكنه أصبح تجارة هامة تخصصت لها بعض الشركات التجارية ورؤس الأموال.

فالمنشورات المدفوعة على وسائل التواصل الإجتماعي المختلفة أصبحت أفضل وسيلة للوصول للمستهدفين الذي يمكنك أن تحدد خصائصهم الديموغرافية بدقة لتضمن وصول رسالتك المعلنة إلى مستهدفينك بعينهم دون غيرهم.

فهذا جعل كل الشبكات الإعلامية والمؤسسات التجارية من أصحاب المنتجات والخدمات المختلفة، تصدر لأنفسها صفحات تمثلها في ذلك العالم الافتراضي حتى لا يفوتهم ساحة من ساحات المنافسة المختلفة.

فأصبح العالم الافتراضي حياة كاملة نعيشها،

متخلين بإرادتنا عن ذاك العالم الواقعي. فكم من علاقات شخصية وقصص غرامية نشأت وتطورت في هذا العالم الافتراضي، شهدت عليها صناديق الرسائل النصية والمتعددة الوسائط والمكالمات المرئية والصوتية لوسائل التواصل الإجتماعي المختلفة. في مسارات متعددة من الصعود والهبوط .

فأصبحت تلك الإشارة المضيئة التي تبثها تطبيقات الدردشة المختلفة والتي تفيد أن من نهتم بأمره متاح الآن، هي بمثابة إنعاش للقلب وللروح وكأنه تقرير دوري مقدم من ذلك التطبيق يخبرنا أنه مازال بخير،

فأصبحت متابعة أوقات الدخول والخروج لأحدهم على التطبيق وسيلة لمراقبته والتكهن بأحواله أن كان مستيقظا الآن أم نائما، متاحا أم مشغولا. إلى أن يقرر هو حجب خاصية اظهار اوقات دخوله وخروجه من على التطبيق، في محاولة منه للهروب من مراقبتنا الصامته له وقمع لهفتنا وأشواقنا.

حتى يقررا أن يخرجا من ذلك العالم الافتراضي للواقع ويلتقيا بشكل مادي ملموس، فيصدمهما واقعهما الذي كان مستترا في العالم الافتراضي، فسرعان ما يفرا هاربان خلف اجهزتهم الرقمية يبحث كل منهما عن شخص أخر لم يكشف الواقع ستره بعد، قبل أن يسبق إحداهما الأخر ويطلق رصاصة الرحمة على الأخر متخلصا منه للأبد في مقبرة المحظورين -Block-.

حتى وجدنا أنفسنا ننسحب شيئا فشيئا بوقتنا وعلاقتنا وتفاعلاتنا من العالم الواقعي إلى العالم الافتراضي في دلالة على أن الواقع لم يعد جاذبا لنشئ أي علاقات أو تجارب اجتماعية أو أكاديمية أو مهنية جادة.

فوقتنا وعلاقتنا وآرائنا وأفراحنا وأحزاننا وانتصاراتنا وهزائمنا كلها أولى بها هذا العالم الافتراضي. وإلى أن يصبح الواقع مهيئا لأحتوائنا وإعادة نسجنا داخل دروبه المعقدة من جديد نحن في عالمنا الافتراضي باقون على وسائل التواصل الإجتماعي.


اشتري وجبة شاورما لـ شخص 1 من طاقمنا، (ادفع 5 دولار بواسطة Paypal) | لشراء وجبة اضغط هُنا


أسعى دائمًا إلى تقديم مقالات مُلهمة ومفيدة تُلبّي اهتمامات القرّاء وتُثري حياتهم بمختلف الجوانب. مُهمتي هي أن أكون عاملةً مُحفزّة للتغيير والإيجابية في المجتمع من خلال كتاباتي وتقاريري.

منشورات ذات صلة